فرنسا

كيف ستشكل الهجرة مستقبل الديمقراطية الفرنسية؟

اخبار فرنسا-في خطوة لافتة، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرًا إلى انتخابات برلمانية مبكرة بعد هزيمة تكتل حزبه “النهضة” في انتخابات البرلمان الأوروبي، مما أثار موجة من التكهنات حول مستقبل الديمقراطية في فرنسا واستراتيجية ماكرون السياسية. تلك الخطوة ألقت الضوء على التحالفات المتغيرة بين القوى اليمينية واليسارية، إضافة إلى طرح تساؤلات حول دور الهجرة، وخاصة هجرة المسلمين، في تشكيل توجهات الناخبين.

كما كان متوقعًا، حقق حزب “التجمع الوطني” اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبان نسبة غير مسبوقة في الانتخابات الأوروبية بلغت 31%، ورغم تراجع الحزب في الانتخابات البرلمانية الفرنسية لاحقًا، إلا أنه أصبح يقود ثالث أكبر تكتل في البرلمان الأوروبي تحت مسمى “وطنيون من أجل أوروبا”، وهو تحالف جديد تشكل تحت قيادة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان. ومنذ ذلك الحين، استغل الحزب مسألة الهجرة كأداة رئيسية لتوجيه دفة السياسة الفرنسية، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية المقررة لعام 2027. تلك المساعي التي هدفت إلى “وقف تدفق المهاجرين” أحدثت صدى واسعًا في المجتمع الفرنسي، مؤثرة على المهاجرين، ومعظمهم من البلدان المسلمة والأفريقية، وعلى المواطنين المتحدرين منهم.

الخطاب المناهض للمهاجرين ليس جديدًا على الساحة الفرنسية؛ فقد شهد تطورًا على مدى عقود. ففي ثمانينيات القرن الماضي، دار نقاش واسع حول منح الجنسية الفرنسية للمهاجرين الذين استقروا في فرنسا بعد الحقبة الاستعمارية. لاحقًا، في تسعينيات القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تحول الخطاب ليشمل مشكلات الضواحي وربطها بالإسلام، ومنذ عام 2015، أصبح يركز بشكل أكبر على قضايا طالبي اللجوء واللاجئين الذين وصلوا إلى أوروبا.

أصبحت قضية الهجرة محورية خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2012، خاصة بعد “مذكرة غيان” التي صدرت في مايو 2011، والتي سعت لتقييد حقوق الطلاب من خارج الاتحاد الأوروبي في العمل والبقاء في فرنسا بعد إتمام دراستهم. وعلى الرغم من إلغاء هذه المذكرة في عهد الرئيس فرانسوا أولاند، استمر الخطاب المعادي للمهاجرين في الانتشار.

وفي استطلاع أجرته شركة إبسوس في مايو من هذا العام، تبين أن الهجرة كانت ثاني أهم عامل مؤثر في قرارات الناخبين بعد القدرة الشرائية. فقد أشار 33% من المستطلعين إلى أن الهجرة كانت ضمن أولوياتهم الانتخابية، وبرزت بشكل خاص بين ناخبي اليمين المتطرف وحزب الجمهوريين المحافظ. تمكن اليمين المتطرف من استغلال هذه المخاوف بربطها بقضايا أخرى مثل الفرص الاقتصادية المحدودة، وتردي الخدمات العامة، والمخاوف الأمنية.

تضم فرنسا اليوم نحو 7 ملايين مهاجر، أي ما يعادل 10.3% من إجمالي السكان. وفي عام 2021، شكل المهاجرون من أفريقيا 48% من إجمالي المهاجرين، وكانت نسبة كبيرة منهم من دول المغرب العربي وشمال أفريقيا. ورغم هذا الحجم الكبير للمجتمع المهاجر، إلا أن المواقف تجاههم لم تتغير بشكل جذري، كما أن صعوبة تحديد أنماط التصويت الخاصة بهم تعود إلى تنوعهم الكبير.

دراسة أجراها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية الفرنسي في عام 2023 بعنوان “المشاعر تجاه المهاجرين والانتماء”، أظهرت أن 44% من المهاجرين يعتبرون أن ظروفهم في فرنسا أفضل مما كانت عليه في أوطانهم الأصلية، بينما عبر 29% عن شعور معاكس. رغم هذه النتائج الإيجابية إلى حد ما، فإن التمييز لا يزال يشكل عائقًا كبيرًا أمام اندماجهم الكامل في المجتمع.

تشير دراسات سابقة إلى أن المهاجرين وأبنائهم قد يواجهون تمييزًا في سوق العمل بناءً على أسمائهم التي تشير إلى أصولهم المغاربية، مما يقلل من فرص توظيفهم مقارنة بغيرهم. كما أن التنميط العرقي في تعامل الشرطة معهم يزيد من شعورهم بالاغتراب داخل المجتمع الفرنسي.

في خضم هذه التحولات، تعكس الانتخابات الأخيرة في فرنسا واقعًا سياسيًا منقسمًا بشدة. فبينما يستمر اليمين المتطرف في استغلال مسألة الهجرة لتحقيق مكاسب انتخابية، تظل قضايا الانتماء والعدالة والمساواة في مقدمة التحديات التي تواجه فرنسا في طريقها نحو انتخابات 2027. ورغم بعض التحسينات التي طرأت على أوضاع المهاجرين، فإن الخطاب السياسي المنقسم والتحديات الاجتماعية المتزايدة قد يظل عقبة أمام تحقيق الوحدة الوطنية.

.اقرأ أيضاً:

هذا مايعنيه انخفاض أسعار الرهن العقاري في فرنسا واتجاهها نحو 3% للمشترين!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!